١٦ أغسطس ٢٠١٠

هكذا كانت تكتب

هكذا كانت تكتب.

 

أما هي، فأستاذة السخرية والحزن والشعر. لا أعلم عنها شيئا منذ أن افترقنا من ألفِ عامٍ مَضَتْ قبل لقائنا الأول.

كتبت هذه القصائد وعمرها آنذاك قد جاوز العشرين بقليل.

 

 * * *

 

القصيدة الأولى، بدون تاريخ، لم تُعْطِها اسماً وسيغضبها دون شك لو سميتها "الرفيق":

 

يا رفيقي

حساسيةٌ، فيك زائدة

أو رهيفة

وأنا .. أنا السخيفة

أخاف أن يعوقا سيرنا على الطريقْ

أخاف أن لا نكونْ

يا رفيق

أصدقاءْ، أو رفاقْ.

أنت ذو حسٍ رقيقْ

وأنا .. أنا السخيفة،

بلا آفاق.

* * *

 

القصيدة الثانية، كَتَبَتْها يوم الأحد التاسع عشر من شهر أغسطس آب عام 1973 وقدمتها بالكلمات التالية:

"هددها بقطع العلاقات، إذا لم يرى قصائدها، التي تُصِرَّ على إخفائها"

 

تغضب كثيرا .. ما السبب؟

يكفيك من هذا الغضب

خير الرفاق وقد أتى،

سرعان ما عنّي ذهب

 

شعرٌ لديَّ يرومه

ما بال نفسي تكتئبْ

ويلحُّ في إلحاحه

لقصائدي، ياللعَجَبْ!

 

سجنٌ أقيّدها به

كيف السبيل إلى الهربْ

وهواجسٌ أقصيتها

رباه أنّى تقتربْ

 

أأجيبه مقسورةً؟

لكأنَّ روحي تُغْتَصبْ

"إما أنا .. إما هي"

عنّي تصدّى وانتصبْ

 

يا صاحبي، أسرفت في

هذا الدلال المُنْطَربْ

إن كان حبي فضة

فالكبر عندي من ذهب

 

ماذا تفيدك أحرفي؟

والشعر يُتْخَمُ بالكُتُبْ

ماذا ترانا نبتغي ..

من أحْرُفٍ تدْعَى أدبْ؟

أو ما تراك تظن في

ما قد كَتبتُ، ومن كَتَبْ!

 

هي بعضٌ منْ سَخَفي أنا

وسذاجتي، هل مِنْ عَتَبْ؟

حُيّيتَ منها في أدبْ

وَفَدَتْكَ مِنْ ذاكَ الغضب.

* * *

القصيدة الثالثة، بدون عنوان كما هي العادة، وبدون تاريخ

 

يلومونها في كثرة الحزن والشجن        كأن الأسى ضربٌ مِنَ السوءِ والدِمَنْ

يقولون ما ترجين من عالم بــــــه        تراق الأحاسيس قرابيـــــــــــن للبدنْ

 

وكانت إذا ما حاولت أن تعيش فيه       ترى أيَّ عمقٍ أيَّ غور وأي تيـــــــه 

ستهوى إلى قلبــــــــه فترتد بعدها        تخاف احتقار الذات أو ما تــراه فيــه

 

بديـــــــعٌ تلاقينا على فصم عهدنا        بعيدان كل البــــعد .. ها أنت ها أنـــا

فلا تتعب النفس لتـــجري وراءها        أكاذيــب حرفٍ يدْعـــي اســمَ صِنْوَنا

 

* * *

 

القصيدة الرابعة، أو بالأحرى ما تبقى منها، فقد بقي النصف فقط من الورقة التي تحملها.

 

قاده الفكر إلى دربٍ يروقْ

أو طريقٍ ظنّه خير طريق

زاده الليلُ سوادا لا شروق

أسقط الأشعار في جوف الحريق

كان كالثائر تعميه البروق

كان كالتائه في البحر غريق.

 

مع كل ما يمكن أن يقال فيما يتعلق بقولها "زاده الليل سوادا لا شروق" !

 

* * *

 

القصيدة الخامسة، مُوَقّعة باسمها وتحمل تاريخ الخميس 7/3/1973

 

يفزعني حزني أحيانا

يترك لي الوحدة مِرآه

تنعكس عليها أشجاني

ألمحني .. بضعة إنسانِ

أتكشّف قاعا أسيانا

تتخوف عيني مَرآه

 

فأفتش عن أقرب مرفأ

عن قطعة حظ لا تصدأ

عن نبضة عمر لا تهدأ

وبقايا حب لم تُطفأ

في صفحة وجهٍ إنساني

قد يحمل عنّي أشجاني

 

وأطارد قدرا عُريانا

إلاّ من ألمٍ، من آه.

 

لا بد وأن نشير هنا إلى جمال البداية والنهاية وفيهما نفس الوقع وعين القافية. تبدأ شاعرتنا بالفزع من الحزن وحيدة أمام مرآة حزنها وتنتهي مطارِدَة لقدر خالٍ من كل شيء، إلا من الألم. ولا يفوت القارئ الخبير حلاوة مداعبتها لكلمتي مِرآه ومَرآه. هي واحدة من القصائد التي أعشق وأُفَضِّل منذ قرأتها بعد أيام من خروجها إلى عالم الحس وتظل في فكري "قطعة الحظ التي لا تصدأ" و "صفحة الوجه الإنساني" وكأنهما أبدع ما يمكن لإنسان أن يكتب.

 

* * *

 

 

القصيدة السادسة، كالأخريات مُوَقّعة باسمها وتحمل تاريخ الخميس 6/9/1973

 

كعكة الأحلام فيها

من غدي،

عشرون شمعة

وأنا أقبع في جوف ظنوني.

ياعيوني،

لن نريق اليوم دمعة.

ضوء هاتيك الشموع الدافئات

يصرخ في ليل سكوني

يُشْعِلَ من قلب ظنوني

للأسى

عشرين شمعة.

 

عبثا نفسح لِلّوْمِ طريقا

نُشعل للشك حريقا

نكسر قيد الكلمات

أو نرومُ اليومَ سَمْعه

لن يعينا، لن يرانا

عبثا نأمل أن يبصر لونا

في وجوه شاحبات.

أي معنى؟

والجفا يسخر منا

يوقد في صدر كلينا

للنوى

عشرين شمعة.

 

تجرأتُ في شبابي وحاولت تقريعها فَقَرّعَتْنِي هي وكانت لها على الدوام الغَلَبَة. كان يزعجها نقدي، ربما لمعرفتها بقدرتها الفائقة على وضع الحروف في أفضل موضع ولإلمامها باللغة العربية على وجه يصعب على رجل شارع مثلي أن يتطاول إليه. ولو أنها قَرَأْتْ اليوم حديثي هذا لوجَدَتْ فيه من الحماقة أكثرَ مما فيه من معانٍ، فهذا شأنها وكل ما أقول أو أكتب في حقها.

 

كانت كلمة "كعكة"، في هذا القصيد، محل أخذ وعطاء فيما بيننا أرادت بسببه تمزيق القصيدة، لولا إصراري. وهاهو بعض ما حظيت من شِعْرِها ، حيٌ لم يزل أأتمن عليه مُحِيطَا أظنه أكثر عمرا ودواما ليبقى من بعدي ومن بعدها يشير إلى امرأة  قلبها حب وصفاء وخيالها تربة عربية غنية أٌلْقِيَتْ عليها بذور حنظل من همٍّ وحزن.

* * *